النقض: الاعتراف الذي يصدر من المتهمين في أعقاب تعرف الكلب البوليسي عليهم يكون عادة وليد حالة نفسية مصدرها هذا التعرف
إن الاعتراف الذي يصدر من المتهمين في أعقاب تعرف الكلب البوليسي عليهم يكون عادة وليد حالة نفسية مصدرها هذا التعرف سواء أهجم الكلب عليهم ومزق ملابسهم وسواء أحدث بهم إصابات أم لم يحدث شيء من
ذلك كله
وقررت محكمة النقض في حكمها
وحيث إن الوجه الأول من أوجه الطعن يتحصل في القول بأن المدافع عن الطاعنين دفع أمام محكمة الموضوع ببطلان الاعتراف منهما أمام وكيل النيابة لأنه كان وليد الإكراه، مستنداً في ذلك إلى ما ثبت من أقوال الشهود الذين سمعتهم المحكمة بصدد وصف عملية استعراف الكلب البوليسي، بل وما ثبت من محضر النيابة نفسه عن هذه العملية وما قرره طبيب سجن قنا بشأن إصابة الطاعن الثاني من عضة كلب دام علاجها نيفا وستة شهور، وما قرره الطبيب الشرعي الذي ندبته المحكمة تحقيقاً لدفاع الطاعنين من أن أثرة الالتئام التي وجدت بعضد الطاعن الثاني الأيمن هي لجرح من عضة كلب، ويقول الطاعنان إن مرد هذا الإكراه الذي استندا في ثبوت وقوعه إلى ما تقدم بيانه من استدلالات، هو أن الكلب البوليسي هجم عليهما كل بدوره ومزق ملابسهما وعضهما وتكرر هذا الهجوم على كل منهما أربع مرات ولم يبعده عنهما المحقق إلى أن اعترف كل منهما. ولكن المحكمة على الرغم من ثبوت ذلك قد اعتمدت في إدانتهما على هذا الاعتراف المنتزع منهما كرهاً، وقالت إنه تأيد باعتراف آخر لهما في محضر التحقيق صدر منهما في منزل العمدة، مع أن هذا الاعتراف الأخير قد صدر في أثر اعترافهما الأول وما كانت قد انقضت بينهما فترة من الوقت كافية لزوال أثر الخوف من الكلب عنهما، وقد كان لا يزال في البلدة ولم ينصرف منها. وقالت كذلك إن وكيل النيابة لم يقصد بإطلاق الكلب عليهما على النحو السابق بيانه، الوصول إلى اعترافهما بمقارفة الجريمة مع أن هذا الذي قالته المحكمة لا يغني شيئاً عن الحقيقة الثابتة وهي أن الاعتراف معيب ما كان يصح للمحكمة أن تعتمد عليه كدليل إثبات في الدعوى.
وحيث إنه لما كان الثابت من مطالعة محضر الجلسة والحكم المطعون فيه أن الطاعنين أنكرا التهمة المسندة إليهما، وأن المدافع عنهما أبدى الدفاع المشار إليه بوجه الطعن، وتمسك بأن الاعتراف الحاصل بمنزل العمدة إنما هو مكمل للاعتراف الأول، والمحكمة في سبيل تحقيق هذا الدفاع سألت وكيل النيابة الذي باشر عملية الاستعراف وبعض من صاحبوه أثناء إجرائها وطبيب سجن قنا وندبت الطبيب الشرعي فكشف على الطاعن الثاني وقدم تقريره ثم دانت الطاعنين بالقتل العمد وقالت في هذا الشأن “إنه تبين من محضر عملية استعراف الكلب البوليسي على المتهمين أن المحقق طلب من مدرب الكلب أن يجعله يشم أول أثر من آثار الأقدام الموجودة في زراعة الفول القريبة من الساقية وقد شم الكلب البوليسي هذا الأثر وقد جلس المتهمان (الطاعنان) القرفصاء صفاً واحداً بين أربعة عشر شخصاً آخرين، فأخذ الكلب يشم كل واحد من هؤلاء المذكورين ولف حول الجميع ثم عاد ونبح واقترب من المتهم أبو زيد جبل (الطاعن الأول) ونبح نحوه كثيراً وقال المحقق إنه قطع ملابسه إرباً إرباً وكاد أن يفترسه لولا أن أشار إلى المدرب أن يبعده عن المتهم، فلما أبعده اقترب منه الكلب مرة ثانية فثالثة فالرابعة، وبعد ذلك شم الكلب أثراً آخر من آثار الأقدام التي وجدت في زراعة البصل في الحوض القبلي المجاور للساقية ثم عاد الكلب وشم الأشخاص المعروضين مع المتهمين بعد أن غير المحقق أمكنة جلوسهم، وجعل الكلب يشم كلا منهم على حدة وما إن اقترب من المتهم الثاني علي أبو زيد (الطاعن الثاني) حتى نبح عليه كثيراً ومزق ملابسه وكاد أن يفترسه لولا أن أشار المحقق على المدرب بأن يبعد الكلب فأبعده عن المتهم ولم يكد الكلب يبتعد عنه حتى عاد ثانية وثالثة ورابعة ولم يشأ أن يتركه أيضاً. وعلى أثر هذا الاستعراف أقر المتهمان بمحل العرض أنهما ارتكبا الحادث. وبعد أن تمت عملية الاستعراف انتقل المحقق إلى مركز العمدة واستجوب المتهم الأول أبو زيد جبل إبراهيم فأجاب بقوله “أمري لله وأنا قتلته وده مكتوب ولو ما كنش الكلب البوليسي استعرف علي ما كنتش أقر”، وقال إنه ما كان قصده قتل المجني عليه ولكنه ضربه هو وأبنه علي ولم يكن غيرهما وأن المجني عليه كان ضعيفاً ومات وأن القتل حصل في حوش الشيخ عامر بالجمالية في الحتة التي وجد بها الأسنان، ولما مات خشي هو على نفسه وحمله هو وابنه ورمياه بالساقية في شهور ليبعدا الحادثة عن ناحية الجمالية، وأنه مع ابنه ضرب المجني عليه بالشومة ولا يعرف مكانها. وأجاب المتهم الثاني علي أبو زيد جبل بقوله أنا وأبوي قتلنا المجني عليه ولكن ما كنا نقصد قتله وأننا ضربناه فوقع منا وهو بطلان ورجل كبير فخدناه ورميناه في الساقية بناحية شهور وضربناه بالعصي وأنه مع أبيه رأيا المجني عليه عندما توجه لإحضار التبن من عند الخولي ولما قال لأبيه ها هو. عاد فضرباه، وأن سبب القتل النزاع على حراسة الأطيان” ثم ردت على دفاع الطاعنين في قولها “إن الدفاع طعن ببطلان الاعتراف الصادر من المتهمين بدعوى أنه كان وليد الإكراه بسبب عملية الاستعراف التي اعتدى فيها الكلب البوليسي عليهما ومزق ملابسهما تمزيقاً شديداً وأحدث بأحدهما جرحاً عضيا كما ادعى المتهم الثاني وقال به أحد الشهود الذين حضروا عملية الاستعراف. وحيث إن الكلب البوليسي وإن كان عنيفاً وشرساً في استعرافه على المتهمين وإذا صح أنه أحدث بأحدهما جرحاً فإن ذلك لم يكن عن سوء قصد من المحقق لحمل المتهمين على الاعتراف ذلك لأن عملية الاستعراف بواسطة الكلب البوليسي بطبيعتها مما يعرض المستعرف عليه لهجوم الكلب، فإن كان قاسياً أو شرساً اشتد هجومه وقد يسفر عن ذلك إصابة الشخص المستعرف عليه مع أظافر الكلب أو أنيابه، وكثيراً ما يعترف المتهم عقب الاستعراف عليه بواسطة الكلب البوليسي سواء تعدى عليه الكلب أو لم يتعد، وذلك بسبب ما يعتري الشخص المستعرف عليه من حالة نفسية على أثر تعرف الكلب البوليسي عليه. هذا وإن أحداً لم يرد القول إطلاقاً في هذه الدعوى بأن عملية الاستعراف هذه وهجوم الكلب على المتهمين يراد به استعمال القسوة مع المتهمين لحملهم على الاعتراف، إذ لا يمكن تصور ذلك وقد تمت عملية الاستعراف علناً بحضور كثيرين من بينهم الطبيب الشرعي والأستاذ موريس طوبيا ومحمد بك علي الحجازى عضو مجلس المديرية ومأمور مصلحة الإنتاج، هذا وإن المحقق في وصفه بمحضر الاستعراف قسوة الكلب وشدته نحو المتهمين عند الاستعراف عليهما مما يبعد مظنة إرادة حمل المتهمين على الاعتراف بالإكراه. والظاهر أن المحقق أراد بقوله إن الكلب كاد أن يفترس المتهمين تأييد استعراف الكلب على المتهمين بحالة لا تدعو إلى الشك في صحته. وحيث إنه مما يؤيد صحة الاعتراف أن المتهمين قد اعترفا تفصيلا في محضر التحقيق في وقت لم يكونا فيه تحت تأثير الخوف من الكلب البوليسي لأن المحقق بعد أن انتهت عملية الاستعراف انتقل إلى مركز العمدة وباشر التحقيق من جديد واستجوب المتهمين فاعترفا بالحادث تفصيلا وحددا مكانه وأنهما ضربا المجني عليه بالعصى وذكر أحدهما أنهما تربصا للمجني عليه في عودته من ناحية الجمالية وأن القتل كان بسبب النزاع على حراسة الأطيان، ولم يقتصر المتهمان على الاعتراف بالجريمة بل بدا لهما الدفاع عن نفسيهما فادعيا أنهما ما كان يقصدان قتل المجني عليه وإنما قصدا ضربه فقط وأنه مات بسبب ضعفه وكبر سنه وفي هذا ما يبعد كل شبهة عن صحة الاعتراف، ولا يمكن القول بعد ذلك إن هذا الاعتراف الذي أيدته الأدلة والقرائن الأخرى قد جاء وليد الإكراه فقد كان في مقدور المتهمين وقتذاك وقد انتهت عملية الاستعراف وابتعد الكلب عنهما أن يعدلا عن اعترافهما إن لم يكن قد أراداه من تلقاء نفسيهما بغير إكراه”.
وحيث إنه يؤخذ من هذا الذي قالته المحكمة أنها عولت في إدانة الطاعنين على اعترافهما وقالت إن الاعتراف الذي يصدر من المتهمين في أعقاب تعرف الكلب البوليسي عليهم يكون عادة وليد حالة نفسية مصدرها هذا التعرف سواء أهجم الكلب عليهم ومزق ملابسهم وسواء أحدث بهم إصابات أم لم يحدث شيء من ذلك كله.
وحيث إن ما ذكرته المحكمة على الوجه المتقدم بصدد اعتراف الطاعنين لا يصلح رداً على دفاعهما، ذلك لأنها مع تسليمها بما يفيد وقوع إكراه عليهما فإنها لم تبحث مدى هذا الإكراه ومبلغ تأثيره في صدور الاعتراف سواء أكان هو الذي صدر عنهما لدى عملية استعراف الكلب البوليسي أو ما تلا ذلك في منزل العمدة. ومتى كان الأمر كذلك وكان الاعتراف لا يصح التعويل عليه إذا كان وليد إكراه، وكان ما ذكرته المحكمة من حسن نية المحقق وتجرده عن قصد حمل الطاعنين على الاعتراف لا يغني في هذا المقام شيئاً، فإن الحكم المطعون فيه يكون معيباً متعيناً نقضه.
وحيث إنه لما تقدم يتعين قبول الطعن ونقض الحكم وذلك من غير حاجة إلى التحدث عن باقي أوجه الطعن.
المصدر
بوابة مصر
|
Leave a Reply