محكمة النقض : تخلى المتهم عن المخدر إضطراراً وليس عن طواعية وإختيار يبطل القبض والتفتيش
إلقاء الطاعن ما كان يحمله وتخليه عنه – سواء تناثرت منها اللفافات أو اشتم ضابط الواقعة منها رائحة المخدر – وليد إجراء غير مشروع إذ اضطر إليه اضطرارًا عند محاولة القبض عليه – في غير حالاته – لا عن إرداة وطواعية واختيارًا من جانبه، ومن ثم فإن ضبط المخدر على أثر ذلك الإجراء الباطل تنتفى معه حالة التلبس بالجريمة لوقوعه على غير مقتضى القانون، فضلاً عن أن تخلى الطاعن عما يحمله عند مشاهدته مأموري الضبط القضائي – الضابط وأمين الشرطة – يهما باللحاق به لا ينبئ بذاته عن توافر جريمة
وقررت محكمة النقض في حكمها
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة والمداولة.
من حيث إن الطعن استوفى الشكل المقرر في القانون.
ومن حيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة إحراز جوهر مخدر فقد انطوى على قصور في التسبيب، ذلك بأنه رد على دفع الطاعن ببطلان القبض عليه لانتفاء حالة التبس بما لا يكفى لاطراحه، وهو ما يعيب الحكم بما يستوجب نقضه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما مؤداه أن ضابط الواقعة قد تلقى هاتفياٌ من مصدر سري له أن الطاعن – وهو معروف له شخصيًا – قد عاد للاتجار في المواد المخدرة وأنه يحوز ويحرز كمية منها ويتواجد بتقاطع شارعي التعاون والأهرام، فانتقل وقوة من الشرطة السريين إلى المكان المحدد حيث أعد كمينًا هو وأمين الشرطة وليد كامل سلامة بالقرب من تقاطع الشارعين وشاهد المتهم قادمًا من اتجاه شارع التعاون واقترب منه وعندما أبصره قام بتغيير خط سيره وقام بالعدو، فلاحقه وأمين الشرطة الذي كان يرافقه وأثناء ذلك ألقى المتهم بشيء كان بيده اليمنى وإذ التقط ضابط الواقعة ما تخلى عنه المتهم – الطاعن – تبين أنه كيس بلاستيك تناثرت منه بعض اللفافات لدى ارتطامه بالأرض وتفوح منها رائحة الحشيش، فقام بالقبض على المتهم بمعاونة أمين الشرطة. وبعد أن أفصح الحكم عن ثبوت الواقعة على هذه الصورة من أقوال شاهدى الإثبات وما أسفر عنه تحليل المادة المضبوطة. وأورد الحكم مضمون تلك الأدلة، ثم أشار إلى إنكار المتهم لما أسنده إليه بالتحقيقات وبجلسة المحاكمة، وعرض لما دفع به الطاعن من بطلان الاستيقاف والقبض والتفتيش لعدم وجود حالة من حالات التلبس وأطرحه في قوله:”……. فهو دفع في غير محله – ذلك أنه من المقرر قانونًا أن الاستيقاف يكون صحيحًا متى كان هناك مسوغ له مستند من واقعة الحال – كما أنه من المقرر في شأن القبض والتفتيش وفقًا لنص المادة 34 من قانون الإجراءات الجنائية المعدل بالقانون رقم 37 سنة 1972 المتعلق بضمان حريات المواطنين والتى يجري نصها على أنه لمأمور الضبط القضائي في أحوال التلبس بالجنايات والجنح المعاقب عليها بالحبس لمدة تزيد على ثلاثة أشهر أن يقبض على المتهم الحاضر الذي توجد دلائل كافية على اتهامه، كما أنه من المقرر أن حالة التلبس تستلزم أن يتحقق مأمور الضبط القضائي من قيام الجريمة أو إدراكها بحاسة من حواسه وأن تقدير الظروف التى تلابس الجريمة وتحيط بها وقت ارتكابها موكولاً إلى المحكمة. لما كان ذلك، وكان الثابت من شهادة الرائد أحمد محمد سكر وأمين الشرطة وليد كامل سلامة أن المتهم ما أن شاهد الأول والقوة المرافقة له حتى ألقى طواعية واختيارًا بكيس بلاستيك عثر بداخله على 21 إحدى وعشرون لفافة سلوفانية بداخل كل منها قطعة من مادة جوهر الحشيش المخدر المضبوط مما مؤداه تخلى المتهم عن ذلك الكيس طواعية واختيارًا وعن إرادة حرة دون سعى مقصود أو إجراء غير مشروع من جانب محرر المحضر الذى أدرك وقوع الجريمة بإحدى حواسه – حاسة النظر – لدى فضه إحدى اللفافات والعثور بداخلها على جوهر الحشيش المخدر ومن ثم يضحى ما قام به محرر المحضر من استيقاف وضبط وقبض وتفتيش صحيحًا ومتفقًا مع صحيح الواقع والقانون وذلك بعد ما اطمأنت المحكمة إلى شهادة شاهدي الإثبات الرائد/ أحمد محمد سكر وأمين الشرطة وليد كامل سلامة ويضحى كذلك الدفع المبدى في هذا الصدد في غير محله ومن ثم تلتفت عنه المحكمة”. لما كان ذلك، وكانت المادتان 35، 35 من قانون الإجراءات الجنائية المعدلتان بالقانون رقم 37 لسنة 1972 المتعلق بضمان حريات المواطنين قد أجازتا لمأمور الضبط القضائي في أحوال التلبس – بالجنايات أو الجنح المعاقب عليها بالحبس لمدة تزيد على ثلاثة أشهر أن يقبض على المتهم الحاضر الذى توجد دلائل كافية على اتهامه فإذا لم يكن حاضرًا جاز للمأمور إصدار أمر بضبطه وإحضاره، كما خولته المادة 46 من القانون ذاته تفتيش المتهم في الحالات التى يجوز فيها القبض عليه قانونًا وأن من المقرر أن التلبس صفة تلازم الجريمة ذاتها لا شخص مرتكبها مما يبيح للمأمور الذي شاهد وقوعها أن يقبض على كل من يقوم دليل على مساهمته فيها وأن يجري تفتيشه بغير إذن من النيابة العامة، وأنه وإن كان تقدير الظروف التى تلابس الجريمة وتحيط بها وقت ارتكابها ومدى كفايتها لقيام حالة التلبس أمرًا موكولاً إلى محكمة الموضوع إلا أن ذلك مشروط بأن تكون الأسباب والاعتبارات التى تبنى عليها المحكمة تقديرها صاحلة لأن تؤدي إلى النتيجة التي انتهت إليها. لما كان ذلك، وكان للاستيقاف شروط ينبغي توافرها قبل اتخاذ هذا الإجراء وهى أن يضع الشخص نفسه طواعية منه واختيارًا في موضوع الشبهات والريب وأن ينبئ هذا الوضع عن صورة تستلزم تدخل المستوقف للكشف عن حقيقته، لما كان ذلك، وكانت صورة الواقعة – كما حصلها الحكم المطعون فيه التى سلف بيانها – لا تنبئ عن أن جريمة إحراز المخدر الذي دين الطاعن بها كانت في حالة من حالات التلبس المبينة على سبيل الحصر في المادة 30 من قانون الإجراءات الجنائية إذ أن تلقي مأمور الضبط القضائى نبأ الجريمة عن الغير لا يكفى لقيام حالة التلبس ما دام لم يشهد أثرًا من آثارها ينبئ بذاته عن وقوعها قبل إجراء القبض وكان ما ساقه الحكم المطعون فيه على السياق المتقدم – من محاولة الطاعن الفرار بمجرد أن رأى ضابط الواقعة يقترب منه تتوافر به حالة التلبس التي تجيز لمأمور الضبط القضائى إلقاء القبض عليه، ليس صحيحًا في القانون وذلك لما هو مقرر في قضاء هذه المحكمة من أنه ليس في مجرد ما يعتري الشخص من مظاهر الحيرة والارتباك مهما بلغا ما يوفر الدلائل الكافية على اتهامه بالجريمة المتلبس بها ويبيح من ثم القبض عليه وتفتيشه، ويكون إلقاء الطاعن ما كان يحمله وتخليه عنه – سواء تناثرت منها اللفافات أو اشتم ضابط الواقعة منها رائحة المخدر – وليد إجراء غير مشروع إذ اضطر إليه اضطرارًا عند محاولة القبض عليه – في غير حالاته – لا عن إرداة وطواعية واختيارًا من جانبه، ومن ثم فإن ضبط المخدر على أثر ذلك الإجراء الباطل تنتفى معه حالة التلبس بالجريمة لوقوعه على غير مقتضى القانون، فضلاً عن أن تخلى الطاعن عما يحمله عند مشاهدته مأموري الضبط القضائي – الضابط وأمين الشرطة – يهما باللحاق به لا ينبئ بذاته عن توافر جريمة متلبس بها تجيز لمأموري الضبط القضائي القبض عليه وتفتيشه، ومن ثم فإن ما وقع في حق الطاعن هو قبض باطل، ولا محل لما أورده الحكم المطعون فيه في معرض إطراح دفع الطاعن ببطلان القبض والتفتيش توافر مبرر لاستيقاف ضابط الواقعة للطاعن، إذ أن الاستيقاف على هذه الصورة هو القبض الذي لا يستند إلى أساس في القانون ومن ثم فهو باطل، ويبطل معه – ما ترتب عليه من تخلي الطاعن عن المخدر إثر فراره عند ملاحقة ضابط الواقعة ومرافقه له لأنها كانت نتيجة لإجراء باطل لا يعتد بما أسفر عنه من دليل، وكان من المقرر أن بطلان الاستيقاف والقبض مقتضاه قانونًا عدم التعويل في الحكم الصادر بالإدانة على أى دليل مستمد منه، وبالتالي فلا يعتد بشهادة من قام بهذا الإجراء الباطل، لما كان ذلك، وكان لا يضير العدالة إفلات مجرم من العقاب بقدر ما يضيره الافتئات على حريات الناس والقبض عليهم بغير وجه حق، وكان الدستور قد كفل هذه الحريات باعتبارها أقدس الحقوق الطبيعية للإنسان بما نص عليه في المادة 41 منه من أن الحرية الشخصية حق طبيعى وهى مصونة لا تمس وفيما عدا حالة التلبس لا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته بأى قيد ومنعه من التنقف إلا بأمر تستلزمه ضرورة التحقيق وصيانة أمن المجتمع، ويصدر هذا الأمر القاضي المختص أو النيابة العامة وفقًا لأحكام القانون. لما كان ذلك، وكانت الدعوى – حسبما حصلها الحكم المطعون فيه – لا يوجد فيها من دليل سوى شهادة من أجريا إجراء القبض الباطل – الرائد أحمد محمد سكر وأمين الشرطة وليد كامل سلامة – فإنه يتعين الحكم ببراءة الطاعن عملاً بالفقرة الأولى من المادة 39 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959 ومصادرة المخدر المضبوط عملاً بالمادة 42م القانون رقم 182 لسنة 1960 في شأن مكافحة المخدرات المعدل.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة: بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وبراءة المتهم مما أسند إليه.
المصدر
بوابة مصر
Leave a Reply