تفتيش المزارع في ضوء أحكام النقض
الأصل في التفتيش أنه إجراء تحقيق لا يجوز اللجوء إليه إلا بناء على إذن من سلطات التحقيق أو في أحوال التلبس وبضوابط معينة اما إذا انصرف التفتيش إلى المنزل أو مزرعة متصلة به فإنها تأخذ حكم المسكن ولا يجوز تفتيشها إلا إذا كان هناك إذن بتفتيش المسكن أو إذن بتفتيشها استقلالا. وأما المزارع غير المتصلة بالمسكن فإن محكمة النقض لا تضع على تفتيشها أي قيد، بل تعتبر هذا التفتيش من إجراءات الاستدلال. فقد قضت بأنه من المقرر أن إيجاب إذن النيابة في تفتيش الأماكن مقصور على حالة تفتيش المساكن وما يتبعها من الملحقات، لأن القانون إنما أراد حماية المسكن فقط، ومن ثم فتفتيش المزارع بدون إذن لا غبار عليه إذا كانت غير متصلة بالمسكن، فقام مأمور الضبط بتفتيش الزراعة بغير إذن من النيابة يعد عملا من أعمال الاستدلال ( نقض 1968/11/4 مجموعة أحكام النقض س19 رقم178 ص899؛ نقض 1934/4/30 مجموعة القواعد القانونية ج3 رقم243 ص325؛ نقض 1989/10/16 مجموعة أحكام النقض س40 رقم128 ص769؛ نقض 1993/10/3 س44 رقم769 ص740 ) وقضت بأنه إذا كان الثابت من الحكم المطعون فيه أن شجيرات الأفيون ضبطت بحقل الطاعن وهو غير ملحق بمسكنه، فإن ضبطها لم يكن بحاجة لاستصدار إذن من النيابة العامة ( نقض 1985/1/14 مجموعة أحكام النقض س36 رقم8 ص75؛ نقض 1974/1/27 س25 رقم13 ص58 ).
وهذا للقضاء غير صحيح ذلك أن إباحة دخول المزارع وتفتيشها بغير قيد من قبل رجال الضبط القضائي بدعوى أنها ليست مسكنا، لا يعد سبب كاف لإسقاط كل حرمة عن المزرعة. نعم هي ليست مسكنا فلا تحظى بالحماية التي قررها القانون للمسكن، لكنها على أي حال مال له مالك وله حائز، ومن حق كل منهما أن يحظى بالحماية المقررة للمالك وللحائز على السواء.
وإذا كان القانون المدني يسبغ حمايته على صاحب الأرض الزراعة – مالكا أو حائزا – فإن قانون العقوبات بدوره لم يبخل عليه بالحماية الجنائية، وهذا ظاهر بوضوح من المادة 373 من قانون العقوبات، فقد نصت على عقاب كل من دخل أرضا زراعية ولم يخرج منها بناء على تكليفه ممن له الحق في ذلك بالحبس مدة لا تجاوز ستة أشهر أو بغرامة لا تجاوز مائتي جنيه. وإذا كان دخولها أو البقاء فيها بغير رضا صاحب الحق محظورا اصلا، بل هو جريمة، فكيف يكون تفتيشها جائزا قانونا.
بل إن المادة 2/246 من هذا القانون تخول حائز الأرض الزراعية حق الدفاع الشرعي وتبيح له استعمال القوة اللازمة لرد العدوان الواقع على أرضه سواء كانت مزروعة أو مهيأة للزرع، ولو تمثل هذا العدوان في مجرد مرور الغير فيها بمفرده أو بدوابه ( م 4/379 ع ). وإذا كان من حق صاحب الأرض الزراعية أن يأمر من دخلها بالخروج منها، فمن حقه كذلك أن يمنعه ابتداء من دخولها. ولا ندر كيف يكون موقف محكمة النقض لو أن صاحب المزرعة تصدى لرجال الضبط القضائي الذين اقتحموا مزرعته بغير إذن من سلطة التحقيق وأخذوا في تفتيشها فحال بينهم وبين ذلك وعمد إلى استعمال القوة ضدهم للدفاع عن ماله!
وتجدر الإشارة إلي أن ما جرت عليه محكمة النقض من إباحة دخول المزارع وتفتيشها بغير إذن من سلطة التحقيق لا يستند إلى نص في القانون، بل هو محض اجتهاد من جانبها. وهو اجتهاد لا يملك المشرع نفسه أن يقرره بنص صريح. وإذا كان الدستور قد حظر دخول المساكن وتفتيشها إلا بناء على أمر من القضاء، فهذا لا يعني بمفهوم المخالفة إباحة دخول المزارع وتفتيشها بغير إذن من القضاء، لأن الملكية الخاصة – بنص الدستور – مصونة ( م34 ). ومقتضى صونها ألا يسمح لأحد بدخولها أو تفتيشها إلا برضا صاحبها أو بإذن من سلطة التحقيق، وهذا ما ينبغي أن يسرى على المزارع باعتبارها من الممتلكات ( الدكتور عوض محمد عوض – التفتيش في ضوء أحكام محكمة النقض – 2011 – ص104؛ الدكتور ياسر الأمير فاروق – تفسير الاجراءات الجنائية – 2016 – ص417 ). والخلاصة انه إذا كانت المزارع لا تأخذ عند تفتيشها حكم المساكن، فيجب أن تلحق في باب التفتيش بالشخص كسائر متاعه، فلا يجوز تفتيشها إلا حيث يجوز تفتيشها أو بناء على اذنه أو إذن من المحقق.
admin
Website: http://egypt-man.net
Leave a Reply